كيف تتحقق موافقةُ الشريعة ومتابعةُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ؟
والجواب: أنَّ المتابعةَ لا تتحققُ إلا بستَةِ أوصاف، المتابعةُ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تتحقق إلا بستة أوصاف، فهذه العبادة التي تكون خالصةً لله تبارك وتعالى تستوفي الشرطَ الأول لا تُقبل عند الله تبارك وتعالى حتى تكون على قَدَمَي رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، وتكون هذه العبادة موافقةً للشريعةِ التي جاء بها النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ في: سببِها، وجنسِها، وقدرِها، وكيفِيَّتِها، وزمانِهَا، ومكانِها، فهذه ستةُ أوصاف، لا بدّ أنْ تتوفر وأنْ تتحقق, وأنْ يتصف بها العملُ الصالحُ الخالصُ لله تبارك وتعالى؛ حتى يكون هذا العملُ متوفرًا فيه شرطُ المتابعةِ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
الأولُ من هذه الأوصاف: أنْ تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في سببِها:
فأيُّ إنسانٍ يَتَعَبَّدُ لله تبارك وتعالى بعبادةٍ مبنيةٍ على سببٍ لم يَثبُت بالشرعِ فهو عبادةٌ مردودةٌ ليس عليها أمرُ اللهِ ورسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومثال ذلك - يعني: في اختلالِ هذا الوصفِ - وهو السبب - الذي لأجلِهِ تكونُ العبادةُ عبادةً, وتكونُ على قدمِ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثال ذلك في اختلال هذا الوصف: الاحتفالُ بمولدِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثاني من الأوصاف: أن تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في جنسِها:
مثل: أنْ يُضحّي المسلم بفرس مثلًا، فإنه لو ضَحَّى بفرسٍ كان مخالفًا لجنس ما يُضحّى به وهو بهيمة الأنعام، وحينئذ لا يُقبل منه هذا ولا يكونُ عبادةً على النحوِ الذي أراد.
وأما الثالثُ: فأنْ تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في قَدْرِها:
فلو أنَّ إنسانًا صَلَّى الظهر سِتًّا، أو المغرب أربعًا، فإنَّه لا يكونُ قد أتى بما يوافق شريعةَ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، ويكونُ هذا العملُ مردودًا غيرَ مقبولٍ؛ لأنَّ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ لم يأتِ بهذا.
وأما الوصف الرابع: فأن تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في كيفِيَّتِها:
فلو أنَّ إنسانًا فَعَلَ العبادة بجنسِها وسببِها وقدرِها لكنه خالفَ الشَّرْعَ في كيفِيَّتِها فإنَّ ذلك لا يصح، كرجلٍ أَحْدَثَ حدثًا أصغر، وتوضأ لكنه غَسَلَ رجليه, ثم مسحَ رأسَهُ, ثم غسلَ يديه، ثم غسلَ وجهَه، فهذا لا يصح وُضُوؤُهُ؛ لاختلالِ شرطِ الترتيبِ فيه، وهذا خالفَ الشرعَ في الكيفية.
ومثاله أيضًا أنْ يقوم مُصَلِّيًا، فَيُقَدِّمَ السجودَ على الركوعِ، أو يقرأ التشهدَ بَدَلَ الفاتحة، ويأتي بالفاتحةِ بَدَلَ التشهد، فهذا خالفَ العبادةَ في كيفيتها التي جاء بها النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والخامس من الأوصاف: أنْ تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في الزمان:
فلو أنَّ إنسانًا صامَ الشهرَ الواجبَ صومُهُ في شعبان، أو شوال، أو ذَهَبَ للحجِّ في رمضان، أو صَلَّى الظهر قبل الزوال، فخالف في الزمان, فإنَّ هذا العمل لا يكون مقبولًا عند ربِّنَا تبارك وتعالى.
وكذلك أنْ تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في مكانها:
فلو أنَّ إنسانًا وقفَ يومَ عرفة بمزدلفة، لم يصح وقوفُه؛ لعدمِ موافقةِ العبادةِ للشرعِ في مكانها.
فهذه ستةُ أوصاف: السَّبب والجنس والكمّ والكيف والزَّمان والمكان.
إذا اختل شرطٌ من هذا الشروط في العبادةِ التي يَتَقَرَّبُ بها العبدُ إلى الله تبارك وتعالى لم تكن العبادةُ مقبولةً عند الله تبارك وتعالى، فلا بد من أَجْلِ أنْ تُحققَ المتابعةَ للمعصومِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ أنْ تأتيَ بهذه الأوصاف على النّحو الذي جاء به نبيُّنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
فهذا كلُّه أصل المتابعة، وأما الأصل الأول: فهو تجريدُ التوحيدِ لله العزيز المجيد بإخلاص العلم لله ربِّ العالمـــين, وأنْ تأتيَ بالعمل خالصًا لله ربِّ العالمـــين لا رياءَ فيه ولا سُمْعَة، ولا اختلالَ فيه لشرطِ الإخلاص بحالٍ من الأحوال، أنْ يكون العمل خالصًا, وأنْ يكون صوابًا، الخالصُ لله, والصوابُ على شريعةِ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إذا كان العملُ خالصًا لله تبارك وتعالى وتوفرت فيه شروطُ المتابعة كان مُسْتَكْمِلًا لشَرْطَي قَبُولِهِ، فيكون مقبولًا عند الله تبارك وتعالى.
العمل الذي لم يَشْرَعْهُ اللهُ تبارك وتعالى لا يؤثرُ في النفس بالتزكية والتطهير؛ لِخُلُوِّهِ مِنْ مادة التطهير والتزكية التي يُوجِدُها اللهُ ربُّ العالمـــين في الأعمال التي يَشْرَعُها ويَأذنُ بفعلها.
الشرعُ الذي جاء به النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ ما فيه ممّا أمر اللهُ ربُّ العالمـــين به أمرَ إيجابٍ أو أمر استحباب، ما نهى اللهُ ربُّ العالمـــين عنه أمرًا لازمًا واجبًا فكان حرامًا، أو غير لازمٍ فكان مكروهًا، هذه الشريعة بأوامرِها ونواهيها وما جاء به محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ, إذا أخذ بها الإنسانُ كانت سببًا في تزكيته، وفي طهارة قلبه واستقامة حياته، ونَفْي القلق والوساوسِ عن ذهنِهِ وعن قلبِهِ وعن ضميرِهِ، واستقامت قدماه على الصراطِ المستقيمِ، لماذا؟ لأنَّ ما شَرَعَهُ اللهُ ربُّ العالمـــين من أوامرِ العبادات فيه مادةُ التطهير ومادةُ التزكية، وأما العبادات التي يخترعها العبادُ، فإنها تخلو من مادة التطهير ومن مادة التزكية.
انظر مثلًا إلى مادةِ التغذية, كيف أَوجَدَها اللهُ ربُّ العالمـــين في الحبوبِ والثّمارِ واللحومِ، فكان في أكلِ هذه الأنواعِ غذاءٌ للجسمِ ينمو عليها ويحتفظُ بقُوَاه، لو أنَّ إنسانًا أَهْمَلَ هذه المادة التي جعلها اللهُ ربُّ العالمـــين سببًا لتغذية الجسم وذهب يأكل الحطب ويأكل التبن ويأكل الخشب ويأكل العظام ويأكل البرسيم، لو أنَّه فعل ذلك فإنَّه يكون مؤدِّيًا بجَسَدِهِ إلى الهلاك؛ لأنَّ هذا الذي أَتَى به لم يَجْعَلْهُ اللهُ تبارك وتعالى سببًا لتغذيةِ الأبدانِ، وهو حَادَ عمَّا جَعَلَهُ اللهُ ربُّ العالمـــين سببًا لتغذيةِ جَسَدِهِ، وحينئذٍ لابدَّ أنْ يَعْطَبَ هذا الجسدُ ولا بد أن يَهْلِكَ عليه.
العملُ بالبدعةِ كالتغذية بالتراب والحطب والخشب والتبن، العملُ بالبدعةِ عملٌ بمادةٍ تخلُو من التطهيرِ والتزكيةِ ومِنْ سببِ ذلك، العملُ بالبدعةِ يساوي أنْ يغذيَ الإنسانُ بَدَنَهُ بالتبن مثلًا، بالحطب, بالتراب، فإذا كان آكلُ هذه المواد لا يتغذى فكذلك العاملُ بالبدعة لا تَطْهُرُ رُوحُهُ ولا تزكو نفسُهُ حتمًا؛ لأنَّ اللهَ تبارك وتعالى لم يجعل في البدعة التي يخترعُها الناس, لم يجعل اللهُ ربُّ العالمـــين فيما لم يُنْزِلِ اللهُ تبارك وتعالى به سلطانا لم يجعل اللهُ ربُّ العالمـــين في ذلك سببًا للتزكيةِ ولا سببًا للتطهير، فمن أتى بذلك محاولًا أن يزكي نفسَهُ وأنْ يطهرَها فإنه لا يزيدُها إلا خسارًا ولا يزيدُها إلا هلاكًا ودمارًا.
كلُّ عمل يُراد به التَّقَرُّبُ إلى اللهِ تبارك وتعالى للحصولِ على الكمالِ والسعادة بعد النجاةِ من الشقاءِ والخُسران ينبغي أنْ يكونَ خالصًا لله تعالى، وأنْ يكون مشروعًا موافقًا لما جاء به النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ في جنسِهِ وسبَبِهِ وكَمِّهِ وكَيفِهِ وزَمَنِهِ ومَكَانِهِ, فإنْ فعلتَ ذلك طهُرت رُوحك، وزَكَتْ نفسُك، واستقامت حياتُك، واتسع سبيلُك الذي يُفْضِي بك إلى رِضوان الله في جَنَّةِ الخُلد، نسألُ اللهَ أنْ يجمعنا جميعًا في الفردوسِ الأعلى مع النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.