فضيلة العلامة د. ربيع بن هادي بن عمير المدخلي :
إلى أمة الغضب الذين قال الله فيهم : ﴿
فَبَاؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ .
[ البقرة : 90 ] . إلى أمة الذل والهوان الذين ضرب الله عليهم الذلة
والمسكنة بكفرهم وقتلهم الأنبياء : ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ
أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ
النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ
الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ
وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا
وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴾ . [ آل عمران : 112 ] .
فهذه بعض صفاتكم التي استوجبتم بها الذلة ، والمسكنة ، والغضب من الله ،
ولا تقوم لكم قائمة إلا بحبل من الله ، وحبل من الناس إلى يومنا هذا وإلى
يوم القيامة . فليس لكم سند من إيمان وعقيدة ، وليس لكم سند من رجولة
وشجاعة ؛ فلا تزالون تقاتلون من وراء جدر بأسكم بينكم شديد ، إن أوصافكم
الشنيعة لكثيرة جدًا ، ومنها : الخيانة ، والغدر ، وإثارة الفتن ، وتأجيج
نار الحروب ، والسعي في الأرض بالفساد ، وكلما أوقدتم نارًا للحرب أطفأها
الله ، وإن تأريخكم لأسود ومعروف ذلكم عنكم لدى الأمم جميعًا .
لهذه الأمة أقول - ويقولها كل مسلم صادق - : لا تبطروا ، ولا تأشروا ، ولا
تغتروا بما أحرزتموه من نصر مغشوش ؛ فإنكم - والله - ما انتصرتم على جيش
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ولا على عقيدة محمد - صلى الله عليه وسلم -
: عقيدة التوحيد " لا إله إلا الله " ، لم تنتصروا على جيش يقوده أمثال :
خالد بن الوليد ، وأبي عبيدة بن الجراح ، وسعد بن أبي وقاص ، وعمرو بن
العاص ، والنعمان بن مقرن ممن تربوا على عقيدة محمد - صلى الله عليه وسلم
- ، ومنهج محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وربوا جيوشهم على ذلك ، وقادوهم
لإعلاء كلمة الله ؛ فلم يقف في وجههم من هم أشد منكم قوةً وبأسًا من جيوش
الأكاسرة والقياصرة .
لم تنتصروا على جيش هذا حاله ، وهذه عقيدته ، وهذا منهجه ، وهذه غايته
إعلاء كلمة الله . إنما انتصرتم على جيوش هي خلوف ﴿ فَخَلَفَ مِن
بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ
فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ . [ مريم : 59 ] .
انتصرتم على جيش أكثرهم لا يعتقدون عقيدة محمد وأصحابه ، ولا منهج محمد
وجنده ، ولا الغاية التي كانوا يجاهدون من أجلها . على هؤلاء الغثاء
انتصرتم ، وبسبب ضياعهم وفشلهم قامت دولتكم ، وعلوتم في الأرض ، وأشعتم
بها الفساد ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ
لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا
. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا
مَّفْعُولاً . ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ
وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ
نَفِيرًا . إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ
فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ
وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ
وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴾ . [ الإسراء : 4 - 7 ] .