هادي
عدد الرسائل : 61 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 30/12/2008
| موضوع: حكم لبس المرأة للبنطلون (السروال) السبت مارس 21, 2009 11:58 pm | |
| في حكم لبس المرأة للبنطلون للشيخ العلامة أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
السـؤال:
كثيراتٌ من النسوة المسلمات يسألن عن حكم لباس السِّروال أو البنطلون الخاصِّ بالمرأة المجسِّم للعورة، والظهورِ به أمام الزوج بُغية التزيُّن له، أو تحقيقِ رغبته في ذلك، فإن كان هذا جائزًا؛ فهل يُعمَّم الحكمُ في ذلك على الظهور به أمام النساء، وأمام الأولاد في البيت؟
نرجو من فضيلتكم تفصيلاً في المسألة، ووفَّقكم الله إلى قول الصواب.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فالأصلُ في النساء أنهنَّ مأموراتٌ بالاستتارِ والاحتجابِ دون التبرجِ والظهورِ، لذلك فالمرأة ترتدي من الثيابِ ما يُصلح حالها ويناسب مقصودَ الشارع المحقق لمعنى الستر، ولا يشرع لها ضِدُّ ذلك، ولا يبعد عن أهل النظر أنَّ مقصودَ الثياب في معناه وعلته يشبهُ مقصود المساكن، وقد جاء في شأن المساكن والبيوت قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»(١)، إذ المساكنُ من جنس الملابس، والعلةُ فيهما الوقايةُ ودفع الضرر، فالوقايةُ من الحرِّ والبرد وسلاحِ العدو ونحو ذلك، يوجد في المساكن والملابس، لذلك قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ﴾ [النحل: 81] وقال تعالى:﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ [النحل: 5] أي: من البرد.
وإذا تقرر أنَّ الشريعة تأمر النساء بالاستتار والاحتجاب، فإنَّ هذا المقصود الشرعي يظهر الفرق في اللباس بين المرأة والرجل، فاللباس إن كان عائدًا إلى ذات الستر فهذا يُؤمر به النساء بما كان أستر لهنَّ، إذ أنَّ كُلَّ لباسٍ قريبٍ من مقصود الشارع بالاستتار فالنساء أولى به، وكان ضِدّه للرجالِ إلاّ ما استثناه الدليلُ.
أمَّا إن كان اللباسُ عائدًا إلى العادة، وتضمَّن في ذاته الستر المطلوب فإن جرت عادة أهل البلاد أن يلبس الرجال مثل هذه الثياب دون النساء فإنَّ النهي عن مثلِ هذا يتغيّر بتغيّر عاداتِ النَّاس في أحوالهم وبلادهم.
ومن منطلقِ هذا التقعيدِ فإنّ السروال أو البنطلون معدودٌ من أخصِّ ثياب الرجال، فإن كان محجمًا للعورة، ومحدِّدًا لأجزاء البدن، ومظهرًا لتقاطيع الجسم فهو بهذه الصفة لا يجوز للرجل بله المرأة سواء مع المحارم أو الأجانب، ويتعيّن المنع عليها من جهتين:
- الجهة الأولى: أن في لُبسه فتحًا لباب لباس أهل النار وتشبهًا بهم في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا»(٢) ، والمراد به النساء اللواتي يلبسن الخفيفَ من الثياب الذي يصف ولا يستر، فهنَّ كاسياتٌ بالاسم عارياتٌ في الحقيقة(٣) ، والتشبه بأهل النار أو بالعاهرات لا يجوز شرعًا، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(٤) ، وحتى يغيب معنى التحجيم والعري أمرَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجلَ الذي كسَى امرأته قبطية: « مُرْهَا فلتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلاَلةً، فإنَّي أخافُ أنْ تَصِفَ حَجْمَ عظامِهَا»(٥) .
- والجهة الثانية: أنّ في لبس البنطلون تشبهًا بالرجال في أخصّ ثيابهم، وقد جاءت صيغة النهي بلفظ التشبه بقولابن عباس رضي الله عنهما: «لَعَنَ رسول اللهُ صلى الله عليه وآله وسلم المُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجَالِ، وَالمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرَّجَالِ بالنِّسَاء»(٦) وقال: «لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المُخَنَّثيِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ»(٧)، وفي حديث آخر «لَعَنَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالمَرْأةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ»(٨). وقد علّق الحكم باسم التشبه سواء في اللباس أو في غيره، و لا يخفى أنَّ المشابهة في الأمور الظاهرة تورث المشابهة في الأخلاق والتناسب في الأعمال، فالمرأةُ المتشبهةُ بالرجال تنطبعُ بأخلاقهم، الأمر الذي ينافي الحياء والخَفَرَ (٩) المشروع للنساء، ويتجسَّد فيها معنى التبرج والبروز ومشاركة الرجال فيؤدي ذلك إلى إظهار بدنها كما يظهره الرجل، وتطلب العلو على الرجل كما تعلو الرجال على النساء، وهذا القدر قد يحصل بمجرد المشابهة، وقد نبه على هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم».
هذا وتزول الآفتان السابقتان فيما إذا لبست المرأة سروالاً وفوقه ملابسُ سابغةٌ، حيث ينتفي فيه التشبه بالرجال، لتحوِّل المظهر الخارجي الظاهر إلى لباسٍ داخليٍّ مستورٍ تختفي فيه المعاني السابقة ويتحقق الستر والاحتجاب المطلوب -شرعًا- من النساء تحصيله، وضمن هذا المنظور قال ابن تيمية رحمه الله: «فلو لبست المرأةُ سراويلَ أو خفًّا واسعًا صلبًا كالموقِ (١٠)، وتدلى فوقه الجلبابُ بحيث لا يظهرُ حجمُ القدمِ لكان محصلا للمقصودِ»(١١)
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 27 المحرم 1430ﻫ
الموافق ﻟ: 23 جانفي 2009م
| |
|